الأرض الأولى
"مُلاحظة: هذه قِصَّة مكتوبة بالكامل، وما ستقرأه الآن في الأرض الأولى، هو جزء من الفصل الأول من القِصَّة."
وصَلنا. نَزلتُ من الطائرة، وغادرتُ المطار، وعندما دَخلتُ إلى مدينة الأضواء، فُوجِئت. كانت المدينة مليئة بالضوضاء والصخب. كان الناس فيها يرقصون ويغنون ويضحكون بصوت عال. كُنت أنظر إلى السماء. كانت أصوات الموسيقى عالية جداً، وكانت الأصداء تتصاعد في السماء الهادئة. فجأة وَقَفَ شخص أمامي بينما كنت أنظر إلى السماء، قائلاً: "مرحباً يا جميلة!" نظرتُ إليه وقلت، "مرحباً." "هل ترغبين في تناول المشروب؟" هكذا سَأَلَني. "لا شكراً لك، لا أريد أن أشرب أي شيء!" أجَبته. كِلانا كان يصرخ، لأن الموسيقى كانت عالية جداً. ثمَّ سألَنَي، "هل أنتِ سائحة؟" وَضَعتُ يدي اليُسرى على أُذُني اليُسرى وأغلَقتها، محاولة سماع ما قاله، "المعذرة؟" "سَأَلتُكِ، هل أنتِ سائحة؟" فأجبتُه، "نَعَم." "اذاً اتبعيني." فَسَألتُه، "إلى أين؟" أمسَكَ بيدي وأَخَذَني إلى طاولة الإضاءة قائلاً: "اِجلِسي هُنا". ثمَّ غادر. "ولكن إلى أين...؟!" أردتُ أن أستمِرَّ في السُّؤال، لكنَّ الموسيقى كانت عالية جداً، لِذلِكَ لم أفعل
نَظَرتُ إلى النَّاس الذين كانوا على جانبي الأيمن. كانوا يرقُصون على ساحَة الرَّقص ويضحكون ويشرَبون. ثمَّ فجأة همَسَ في أذني نفس الشَّخص من جانبي الأيسر، "اشربي هذا." ثُمَّ جَلَس على الكُرسيّ الآخر على طاولتي مُبتسماً. نَظَرتُ إليه دون أن أقول أي شيء. فقال لي: "هذا هو مشروبنا الخاص لجميع السُّيَّاح الجدد الذين يأتون إلى بلدتنا." ابتسمت قائلة: "آه ، شكراً لك، لكنني لا أشرب الكُحول." بدأَ يضحك، ثُمَّ قال، "لا تقلقي لا يوجد كُحول فيه، نحن لا نشرب الكُحول هنا، إنَّه مجرد عصير ملون بنكهة فواكه مميَّزة." ابتسمت له. هوَ أيضاً ابتسمَ لي. ثُمَّ سَأَلني: "هل تريدين الرَّقص؟" فأَجَبته، "لا شكراً، عَلَيَّ الذَّهاب." "إلى أين؟" "جزيرة ديغوستد." "لا أستطيع سماعك! إلى أينَ قلتِ؟" اقترب ليسمعني أكثر وضوحاً. ثُمَّ اقتربتُ أنا أيضاً، قائلةً، "إلى جزيرة ديغوستد." فَجأَة عادَ بِبُطء مُتَّكِئاً على كُرسيه، وبدأت ابتسامته تختفي. حدَّق في وجهي بطريقة مخيفة دون أن يَتَفَوَّه بكلِمة لِبُضع ثوان، ثمَّ غادر بِسُرعة. "مهلاً، أَنتْ ... اِنتظرْ... إلى أين أنت ذاهب؟!" نَدَهتُ وأنا أنظُرُ إليه وهو يغادر، لكِنَّه لم يجيب وذهب بعيداً دون النَّظر إلى الوراء. أدرتُ وجهي وقلتُ لنفسي: "يا لَهُ مِن غريب الأطوار!" ثُمَّ وَقَفْتُ، وذهبتُ إلى الشَّاطِئ، مُبتعدة عن هذا الضَّجيج
عِندما وصلتُ، وَجدتُ الكثير من القوارب. "مرحباً." قُلتُ لرجل عجوز يقف بجانب أحد القوارب الخشبية. فأجاب، "مرحباً." فعرَّفتُ لَهُ عن نفسي، "اسمي باريم، أنا من شركة باريم للسياحة و السَّفَر." "مرحباً بِكِ يا عزيزتي، كيف يمكنني مساعدتك؟" " إنني أُريدُ الذهاب إلى جزيرة ديغوستد، وليس لديّ أدنى فكرة عن القارب الذي يجب أن أركبه!" أُصيب الرَّجل العجوز بالذُّعر فجأة قائلاً: "ماذا؟! لا!" سَألتُهُ باستغراب، "المعذرة؟!" قال الرجل العجوز بصوت مرتجف، "إنه ... إنه مُغلق." فقلتُ باستغراب "مُغلق؟!" ثم نظرت إلى القوارب الأخرى وتابعت: "لكنَّ الناس ما زالوا يركبون القوارب!" فأجابَ بِعصبيّة، "أخبرتُكِ أنه مغلق. ليس لدي أي رحلات إلى تلك الجزيرة". "لكن اسمع أنا..." فقاطعني قائلاً، "مِن فضلك... ليس لدي أي رحلة، فقط غادري، إنها جزيرة نائية ولا يمكن لأحد أن يأخذك إلى هناك في هذا الوقت." "حسناً، آسفة!" ثم ذهبت. انتابتي شعور غريب جداً. عُدتُ إلى المكان حيث كنت وأنا أسترجِع ملامِح ذاك الرجل العجوز، وكيف تغيَّرت فجأة
وَقفتُ بعيداً، أُراقبُ الرجل العجوز، ثم نَظرتُ إلى ساعةِ يدي، كانت الساعة ٣:٢٩ صباحاً. فجأة سَمِعتُ شخصاً من بعيد ينادي هذا الرجل العجوز، "صديقي!" نَظرتُ إلى الرجل العجوز. لقد غَادرَ مكانه وذهبَ للتَّحدُّث مع صديقه الذي ناداه. لم يعد هنالِك أحَد يحرس القوارِب. فركضتُ مُسرِعَةً، وأخذتُ ذلِكَ القارب الخشبي الصغير، ثم بدأتُ في الإبحار حتى ابتعدت. بعد أن ابتعدت، لاحظ الرجل العجوز، فعادَ مُسرِعاً إلى مكانِه. نَظرَ إليَّ وبدأ يصيح، "يا فتاة، عودي إلى هنا، ستموتين هناك، من فضلك عودي." نَظرتُ إليه وأنا أُجَدِّفُ بأسرع ما يمكنني، حتى لا يتمكَّن من اللحاقِ بي. ثم هَمسَ لِنفسه قائلاً: "أنتِ في خطر، في خطر كبير جداً." عندما قال هذه الجُملة لنفسِه، كنتُ قد غادرتُ بالفِعل وبدأتُ أَختَفي أمامَ عينيه، وأضيعُ في ظلامِ البحر. كانت هذه هي المرةُ الأخيرة التي رأيت فيها مدينة الأضواء. الساعة ٣:٢٩ صباحاً
بينما كنتُ أُجدِّف، أصبحت الغيوم أكثر قتامة، وبدأ كل شيء يبدو هادئاً للغاية، حتى اختفت أصوات الموسيقى بأكملِها. نظرتُ خلفي، لَم أعُد أجد مدينة الأضواء، اختفَت، لا أضواء، لا أصوات، ولا حتى الجزيرة، جزيرة ديغوستد! كل ما تمكَّنتُ من رؤيتهِ في ذلك الوقت هو تلك السماء المظلمة والمياه القاتِمة. في تِلك اللحظة أخذتُ نفساً عميقاً وقررت البحث عن الجزيرة على الخريطة، حتى أتمكَّن مِن التجديف إليها. أخرجتُ هاتفي من جيبي، لم يَكُن هناك اتصال. لا يوجد إنترنت هاتفي ولا مكالمات. فَقلتُ لِنفسي بِسُخرية، "يا للروعة!" قُمتُ بِوَضع هاتِفي في حقيبتي. بدأتُ أرتجف، وبدأَ الطَّقس يُصبِح أكثر برودة. بينما كُنتُ أُعيدُ هاتفي، وأغلِقُ حقيبَتي، بدأتُ أرى ظِل أسود. ارتديتُ حقيبتي بِبِطء، ثم بَدَأَت الظِّلال الدَّاكِنَة تسودُ المكان، حولَ القارِب، وبَدَأَت همسات غريبة في الظُّهور. أخَذتُ أنفاسي بِسُرعة. شَعَرتُ وكأن َّالكثير من الأيادي الباردة تمسكني، وتضغط بقوة، تَجرّني إلى مكان مجهول. أردتُ أن أصرخ، لكنَّ يد ما كانت وكأنَّها تُمسِك بأحبالي الصوتية، مما منعني هذا الأمر من إصدار أي صوت. في تلكَ اللَّحظة لم أتمكَّن حتى لا مِن رؤية السماء ولا مياه البحر، فقط الظَّلام ولا شيء أكثر من ذلك. حاولتُ تحريك رأسي وأجزاء من جسدي، لكن دون جدوى. شَعرتُ كما لو أنَّ كل قوتي قَد سُلِبَت، مما جَعَلَني غير قادرة على القيام بأبسطِ الأشياء مثل رَمش عيوني. بدأ كل شيء من حولي يبرد، كما لو أن جسدي قد تجمد. حتى عقلي توقَّف عن العمل وكل ما استطعت تذكره هو أنه عندما كنت في بلدة الأضواء كانت الساعة ٣:٢٩ صباحاً. غير ذلك، لا أتذكر أو أرى أي شيء