المشهد الأول
لقد كتبتُ هذا المشهد الأول في نوفمبر من عام ٢٠٢١ في كورس المسرح الذي أخذتُه في جامِعَتي. في المشهد الأصلي عُمر سالي كان ١٦ سنة وعُمر سليم كان ١٨ سنة. تم تغيير الأعمار لتناسُق الأفكار وربطِ الأحداث لإتمام القِصَّة بعدَ ذلك
لكنَّ القصة الفعليّة بدأت فِكرَتَها على طاولة صغيرة في غرفة فندق في دبي ليلة رأس سنة ٢٠١٦
اِبقَ على قيد الحياة
ملاحظة: هذه المسرحية تعود إلى عام ٢٠١٢، سوريا
بجانب باب المنزل، غسالة وسلة غسيل فوقها. على يمين المسرح كانت هناك غرفتيّ نوم بجانب بعضهما البعض، وإلى اليسار توجد غرفة نوم كبيرة وحمام بجانبها، بينما في المنتصف كان المطبخ مع طاولة طعام صغيرة تتسع لأربعة أشخاص. كان العشاء جاهزًا على الطاولة، وكانت أبواب الغرفة مغلقة. ثم تخرُجْ سالي في سن ١٧ من الحمّام حاملة قميصًا أبيض في يديها، وتَجري بسرعة نحو الغسالة، وتجلس مُقرفصة وتَضَعْ قميصها الأبيض داخل الغسالة وتتأكدْ من ألّا أحد يراها، ثم تَقِفْ وتَضَعْ سائل الغسيل. يَظْهَر شقيقها الأكبر سنًا سليم البالغ من العمر ٢٠ عامًا من خلفها وهو يُمسِك بهذا القميص الأبيض من الغسالة
سليم: ما هذا سالي؟
سالي: لا شيء مهم
سليم: لا شيء مهم هاه ... ألم تلاحظي أن هناك دماء على القميص؟ هل يمكنكِ شَرْح ما هذا؟
سالي: أخبرتكَ أنه ليس مهمًا، لا تكُن مُصِراً جدًا
تُحاوِل الذهاب إلى غرفة نومها، لكن سليم يُمسِك بذراعها اليسرى بقوّة، فتَئِن
سليم: ما خطب ذراعك؟ أريني إياها (يرفع كم سترتها)
سالي: سليم توقف، لا يوجد شيء، لقد آلمتني فقط، هذا كل ما في الأمر
سليم: (يبدأ بالصراخ) توقفي عن الكذب، سألتك ما هذا الدم الموجود على القميص؟
سالي: (تحاول وضع يديها على فم أخيها) لا تصرخ، أمي ستسمعك
سليم: إذن أخبرني ما الذي يحدث حتى أتوقف
سالي: (أمسكَتْ بذراع سليم وأخذته إلى غرفة نومها، وأغلقت الباب نِصف غلقة) أولًا عليك أن تعدني بأنك لن تخبر أحدًا
سليم: هل أنتِ متورطة في شيء مما أعتقده؟
(تتنفس سالي بالكاد ثم تهز رأسها بمعنى نعم)
سليم: (يتراجع قليلاً إلى الوراء ينظر إلى أخته، ثم يقترب) أَرِني ذراعكِ الآن
سالي: (ترفَع كُمَّها وإذْ بضمادة بيضاء كبيرة تُغطي ذراعها بالكامل) ليسَ كما تُفكِّر فيه، لم تَكُن غلطتي، كُنتُ أقِف هُناك مع ماسة عندما انفَجَرَت السيارة ، كانت ريم بداخلها
سليم: قُلتُ لكِ ألف مرة أن تبتعدي عن ريم لكِنَّكِ عنيدة
سالي: سليم، أنتَ تعرِف أنها صديقة طفولتي
سليم: لكنّها اختارتْ أن تكون واحدة منهم
سالي: أنتَ تتحدث عنها وكأنك لست كذلك! رأيتُ المُسدس في دِرجِك ذاك اليوم، لذا لا تلُمها، لقد ماتت الآن، ولكي أكون أكثر وضوحاً، فقد قُتِلَت كانت السيارة تحتوي على جميع أصدقائها، عندما ركِبت وأغلقت باب السيارة، اِنفَجَرت السيارة بِهم جميعا
سليم: (نَظَرَ إلى القميص الأبيض) ماذا عنكِ؟ قميصكِ؟ ذراعكِ؟
سالي: كُنتُ أنا وماسة نخرُج من المدرسة كالمعتاد، ثم رأينا ريم، تبعناها بصمت ووقفنا خلف الحائط عندما رأيناها تركب سيارة أصدقائها، وعندما انفجرت السيارة، اقتربنا لنرى كيف حدث ذلك، ولكن فجأة ظَهَرَ رَجُل شرطة من خلفنا وقال: من أنتما؟
لم نَلتَفِت إلى الوراء على الإطلاق حتى لا يرانا
سليم: وبعدَ ذلك؟
سالي: أخرَجَ مَسدسه وضَغَطَ على الزِّناد وقال: كلاكما، لا تتحركا وعودا ببطء
سليم: ثم ماذا؟
سالي: في تلك اللحظة عرفتُ أن أمامي خيارين، إما الاستسلام وإظهار وجهي، أو الركض دون النَّظَر إلى الوراء، وفي كِلا الخيارين سأكون ميِّتة، ولكن إذا كُنتُ محظوظة بما فيه الكفاية، فسأَنجو في الخَيارِ الثاني وقد لا يصيبني بالرصاص. (أغمَضَتْ عينيها) قُلتُ لماسة أن تركُض دون أن تَنظُر إلى الوراء، وعندها أطلَقَ النار على ذراعي. بينما كنتُ أركُض لففتُ ذراعي وتأكدتُ من أن الدم لا يسقُط على الأرض
سليم: كيف نجوتِ؟ إنهُ من سابِع المُستحيلات أن يسمحون لكِ بالفِرار
سالي: على طريق متشعِّب، ركَضَت كلٌّ مِنّا في اتجاه مختلف، واِختارَ أن يتبعني. نَجَت ماسة لكنني
سليم: ولكن أنتِ!؟
سالي: (مُتَنهدة) ركضتُ أولًا، ثم اختبأتُ بعد ذلك، توقفتُ عن التقاطِ أنفاسي حتى لا يُمسِك بي، اعتقدتُ أنه لن يفعل، لكنه فعل
سليم: لماذا توقفتِ؟ استمري سالي. هل آذاكِ؟ هل فعل لكِ أي شيء؟ ماذا حدث؟
سالي: لقد قتَلتُه
سليم: (بدأَ يتنفس بِصعوبة، وتراجع خطوة للوراء) كيف؟
سالي: (بدأتْ دموعها تنهمر) وَضَعَ المسدس على رأسي وقال: لا تتحركي. أمسَكَ بذراعي، وسار بي ببطء من حيث كنتُ مختبئة، ثم جعلني أتوقف عن المشي، وأمَرَني أن أستدير لكنني لم أفعل. فقال بصوت مخيف قاسٍ: قُلتُ اِستدِري. لكنني لم أفعل فأمسَكَ بذراعي المُصاب، وشَدَّني مِنه بقوّة وأدارَني تِجاهه. أغمضتُ عينيّ
سليم: رأى وجهك، لا سالي لا
سالي: ضربتُه في المنطقة الواقعة بين ساقيه بِكُل ما لديّ من قوة، فأوقَعَ المسدس مِن شِدَّة الألم. حاولتُ أخذ المسدس، لكنّهُ دَفَعَني، فسقَطْت. ثم اِنحنى لأخذها، لكنني ركلتُه بكُل قوتي وأخذتُ المسدس وأطلقتُ النار عليه
سليم: (ساخراً) ماتَ برصاصة واحدة!؟ (قَلِق)حتمًا هُناكَ من أنقَذَه، وهو يعرف وجهكِ الٱن، وسيخبرهم وهم
سالي: (قاطَعَتْ سليم) أطلقتُ عليه تِسع طلقات
سليم: ماذا؟ تسعة!؟
سالي: لم يكُن لديّ خَيار آخر، إنّهُم لا يموتون، جميعهم لا يموتون. بمجرد أن تقتلهم مرة يعيشون مائة مرة (في ثقة) اقتربتُ وتأكدتُ من أنه لم يُعُد يتنفس
سليم: (بسُخرية) يا للروعة! الآن جعلتيني أشعر بتحسُّن. ماذا عن جسده؟ ودمكِ؟ بصمات أصابعكِ؟ حذائكِ؟ كل ذلك؟ (نَظَرَ إلى سالي، وهي تقِف صامتة ولم تَجِب على أسئلته) سالي؟
سالي: تركتُهُ هُناك. لكن.. لكنني نظفتُ بَصَمات أصابعي من مسدسه، وتأكدتُ من أن ذراعي لا تنزف. وبالنسبة لحذائي، فقد خلعتُه عندما خرجتُ من ذلك المكان، واحتفظتُ بِه داخل حقيبتي. سأحرُقه غدًا (بَدَأتْ في البكاء) لكنني لم أعرف ماذا أفعل بجسده... أين أدفنه… الأرض كلها مرصوفة، لا يمكنني حفرها... والمقبرة بعيدة جدًا عن هناك... وليس لدي سيارة أحمل فيها جثته... ولِنفرض أنني استطعتُ حمل جثته… لا أستطيع أن أفعل ذلك في منتصف النهار، وكُل العيون مفتوحة
سليم: (وَضَعَ يديه على جبينه) أين جسده الآن ؟
سالي: هل تتذكر ذلك المكان الذي كنا نلعب فيه الغميضة مع ماسة ومروان وملهم وماهر وماريا عندما كنا أطفال؟ كان مُحاط بجدران منخفضة وبِه أراجيح وزحلوقة طويلة كنا نلعب هناك كثيرا
سليم: (ابتسَمَ ابتسامة حزينة) أعرِف ذلكَ المكان
سالي: جسَده يرقد هناك. بجانب الزحلوقة
سليم: (اقترَبَ وقَبَّل سالي من جبينها) إذا حدَثَ شيء ما، لا تخبري أمي وأبي عن أي مما حَدَث ، اتفقنا؟
سالي: (نَظَرَتْ إلى سليم) إلى أين أنتَ ذاهب؟
سليم: عِديني أنكِ لن تجعليهم يمسكون بِك. احتفظي بالمسدس الذي رأيتيه في درجي معكِ، لكن لا تستخدميه. ولكن إذا واجهتِ موقفًا وحاوَلَ أي من هؤلاء الرجال القذرين بلمسِ خِصلة واحدة من شعرك، في تلكَ اللحظة يُسمح لكِ باستخدامه. اتفقنا؟
سالي: (هزَّت رأسها بمعنى نعم، ثم عانَقَتْ سليم) أنا آسفة
سليم: لا تعتذِري على حماية نفسك. بالإضافة إلى ذلك، أنا لستُ أخًا سهلاً، سأكونُ بِخَير، وأعود لأخذِ قِرص الأغاني المُختلط الذي أعطَتهُ لكِ ماسة (ابتَسَمَ لِأُختِه، ثم فَتَحَ باب المنزل، وغادَر)
يتلاشى الضوء، ويتحوّل المشهد. وَصَلَ سليم إلى ذلكَ المكان، بينما كان يرتدي أكياساً بلاستيكية في حِذائِه وقُفّازات سوداء في يديه. بَدَأَ ينظُر في كل مكان، بجانِب تلكَ الزحليقة الطويلة، بينَ الأراجيح. نظَرَ عن كثب إلى الأرض بحثًا عن الدِماء أو أي شيء، لكن لم يَكُن هُناكَ شيء على الإطلاق، وكأنَّ شيئًا لم يَحدُث قط. ثم لاحَظ شيئًا ما تحت أحد الأراجيح يومِض، أمسكَها وهي قلادة سالي. وفجأة ضربَهُ شخص من الخلف بقوة على مؤخرة رقبته بعصا خشبية ثقيلة
نِهاية المشهد الأول